مواقيت الصلاة
الفجر : 05:21
الشروق : 06:39
الظهر : 11:37
العصر : 14:16
المغرب : 16:54
العشاء : 17:49
منتصف الليل : 22:54
الإمساك : 05:12
X
X
الاعلان

التسبيحات الأربعة وأسرارها وآدابها

التسبيحات الأربعة وأسرارها وآدابها

 التسبيحات الأربعة وأسرارها وآدابها

التّسبيح
"التسبيح هو التنزيه عن التوصيف بالتحميد والتهليل"1.

"وليُعلم أنّ التّحميد والتّهليل، حيث إنّهما متضمّنان للتّوحيد الفعليّ وفيهما شائبة التّحديد والتنقيص، بل شائبة التشبيه والتخليط، فيلزم العبد السالك أن يجعل نفسه في حصن التسبيح والتنزيه الحصين، ليتهيّأ للورود فيه، ويفهّم باطن قلبه أنّ الحقّ جلّت عظمته منزّه عن التعيّنات الخلقية والتلبّس بملابس الكثرات، كي يتنزّه وروده في التّحميد عن شائبة التكثير"2.

كلّ من يحمد الله قد يقع في شائبة التّحديد حين يقارن محامد الله بمحامد الخلق، وإن كان في مقام نفي التحديد. ولأنّ العبد في موقع حمد الله تعالى قد يرى نفسه حامدًا بينما الحمد في الفعل ليس إلّا لله تعالى، لهذا لا بدّ أن ينزّه حمده عن هذا والتّشبيه أيضًا.

ولأنّ العبد قد يشبه محامد الله وكمالاته بكمالات خلقه، فيحتاج إلى التّسبيح كذلك.

ولأنّ العبد قد ينسب العيوب إلى الله في مقام التوحيد احتاج إلى التسبيح أيضًا.

فكلّ شيء يرجع إلى الله تعالى دون عيب أو شوب نقص. وإنّما النقائص من مرتبة التعيّنات الخلقيّة ومن عالم الخلق، ثمّ يقول الإمام قدس سره: "وهو من المقامات الشاملة، والعبد السّالك لا بدّ أن يتوجّه إليه في جميع العبادات ويحفظ قلبه عن دعوى التوصيف والثناء على الحقّ. ولا يظنّن أنّ في إمكان العبد القيام بحقّ العبوديّة فضلًا عن القيام بحقّ الربوبية الذي انقطعت عنه أعين آمال كمّل الأولياء وتقاصرت عن ذيله أيدي الأعاظم من أصحاب المعرفة (خذ أفخاخك واذهب، فالعنقاء لا يصطادها أحد)، فلهذه الجهة قالوا إنّ كمال المعرفة لأهل المعارف عرفان عجزهم"3.

لا يقتصر التسبيح على موضع أو مقام خاص، بل ينبغي أن يكون حال العبد في كلّ أحواله. ومن ترك التسبيح سقط، وكلّ شيء إنّما يسير بهذه الحقيقة. وإذا كان لنا من بقاء فذلك من سعة رحمة الله وتفضّله. ومن مظاهر رحمة الله تعالى أنّه أجاز لنا بالورود إلى هذه المقامات رغم قصورنا وعجزنا عن القيام بحقيقة الأمر، لهذا يقول الإمام قدس سره: "نعم، حيث إنّ الرحمة الواسعة للحقّ جل وعلا شاملة لنا نحن العباد الضعاف، فرخّص لنا نحن المساكين بالدّخول إلى جناب خدمته بسعة رحمته. وتفضّل بإجازة الورود في مثل هذا المقام المقدّس المنزّه الذي انقصمت ظهور الكروبيين عن الدنّو منه.

وهذا من أعظم تفضّلات وأيادي الذات المقدّسة لوليّ النعمة على عباده يعرف قدره أهل المعرفة والأولياء الكمّل وأهل الله على قدر معرفتهم.

وأمّا نحن المحجوبون المتأخّرون عن كلّ مقام ومنزلة، والمحرومون البعيدون عن كلّ كمال ومعرفة فعنه غافلون كلّيّا. والأوامر الإلهيّة - وهي في الحقيقة أفضل النعم العظيمة غير المتناهية - نحسبها من التكلّف والكلفة ونقوم بها بالضجر والكسالة.

ومن هذه الجهة حرمنا وحجبنا عن نورانيّتها بالكلّية"
4.

التحميد
"وهو مقام التوحيد الفعلي الذي يناسب حال القيام ويناسب القراءة أيضًا، فلهذا كانت هذه التسبيحات في الركعتين الأخيرتين قائمة مقام الحمد، والمصلّي مختار أن يقرأ الحمد مكانها.

ونستفيد التوحيد الفعليّ كما ذكرنا في الحمد من حصر الحمد بالحقّ تعالى،

وتقصر يد العبد عن المحامد بالكلية

ونوصل إلى سامعة القلب: ﴿هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ

ونذيق ذائقة الروح حقيقة ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى6.

ونضع رؤية النفس وحبّها تحت قدمي السّلوك، كي نصل إلى مقام التّحميد ونخلّص القلب من مشقّة تحمل ثقل منّة الخلق"7.

عندما نحمد أو نمدح فنحن نثني، وهذا فعل من الأفعال. لكنّ التحميد الحقيقي يعني ألّا ننسب أيّ فعل للمخلوقين، لأنّ كل فعل إنّما هو فعل الله تعالى، فعلينا أن ننزّه الحقّ تعالى عن تحميدنا أيضًا!

التهليل
"وله مقامات، أحدها: مقام نفي الألوهية الفعليّة عن كلّ ما سوى الله، وهو عبارة أخرى عن لا مؤثّر في الوجود إلا الله، وهذا يؤكّد حصر التحميد، بل يوجب الحصر ويسبّبه، لأنّ مراتب الوجود الإمكانية ظلّ حقيقة وجود الحقّ جلّت قدرته، وهي الربط المحض، وليس لشيءٍ منها وجه من الاستقلال والقيام بنفسه، فلهذا لا يصحّ أن يُنسب التأثير الإيجاديّ إليها بوجه، لأنّ اللازم في التأثير الاستقلال في الإيجاد والاستقلال في الإيجاد مستلزم للاستقلال في الوجود.

وبعبارة أهل الذوق حقيقة الوجودات الظلّية ظهور قدرة الحقّ في المرائي الخلقيّة. ومعنى لا إله إلا الله مشاهدة فاعليّة الحقّ وقدرته في الخلق ونفي التعيّنات الخلقيّة وإفناء مقام فاعلية وتأثير الخلق في الحقّ"
8.

كلّ تأثير يرجع إلى القدرة، والقدرة ترجع إلى الوجود. فما لم يكن الموجود مستقلًّا في وجوده، لا يمكن أن يكون مستقلًّا في تأثيره، لهذا يقول الإمام الخميني قدس سره: "ومن مقامات التهليل نفي المعبود غير الحقّ، فلا إله إلا الله، أي لا معبود سوى الله. وبناءً على هذا يكون مقام التهليل نتيجةً لمقام التحميد، لأنّه إذا انحصرت المحمدة في ذات الحقّ المقدّسة فالعبوديّة أيضًا تنزل حِملها في ذلك المقام المقدّس وتنتفي جميع عبوديات الخلق للخلق، وكلّها لرؤية المحمدة. فكأنّ السّالك يقول: لأنّ جميع المحامد منحصرة بالحقّ فالعبوديّة تنحصر به أيضًا، وهو المعبود، وتتحطّم الأصنام بأجمعها.

وللتهليل مقامات أُخر لا تناسب هذا المقام"
9.

فلا يستحقّ العبادة إلّا من كان بالحمد موصوفًا، ولا محمود في الوجود على نحو الاستقلال إلا الله، فلا معبود سواه، وكلّ محمود غيره فبِه، ولولا نسبته إليه لما كان مستحقًّا لأي محمدة.

التكبير
"وهو أيضًا التكبير عن التّوصيف، فكأنّ العبد في بدء وروده في التحميد والتهليل ينزّه الله عن التوصيف، وبعد الفراغ منه أيضًا ينزهّه ويكبّره عنه، حتّى يكون تحميده وتهليله محفوفًا بالاعتراف بالتقصير والتذلّل.

ولعلّ التكبير في هذا المقام هو التكبير عن التحميد والتهليل، لأنّ فيه شائبة الكثرة كما ذكر.

ولعلّ في التسبيح تنزيهًا عن التكبير، وفي التكبير تكبيرًا عن التنزيه لتسقط دعاوى العبد تمامًا، ويتمكّن في التوحيد الفعليّ، ويصبح مقام القيام بالحقّ ملكة في قلبه، ويخرج عن التلوين، وتحصل له حالة التمكين"
10.

يدور ذكر الله حول المعرفة. وتدور المعرفة حول الوصف. ولمّا كان الوصف عنه ممتنعًا، لاستحالة إحاطة الممكن بالواجب كان كمال الإخلاص له نفي الصّفات عنه. وكانت غاية المعرفة العجز عن المعرفة. فحقيقة الذكر هي التوجّه إلى هذه الحقائق التي تجتمع في التسبيح والتكبير لتعين السالك على عدم تجاوز حدّ العبودية.

وبمعرفة بعض معاني التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير يصبح السالك مستعدًّا للقيام بآدابها، وهي كما يقول الإمام الخميني قدس سره:

والعبد السالك لا بدّ أن يحصّل في قلبه من هذه الأذكار الشريفة (التي هي روح المعارف):
1- حالة التبتّل والتضرّع والانقطاع والتذلّل،
2- ويعطى لباطن القلب صورة الذكر بكثرة المداومة،
3- ويمكّن في باطن القلب حقيقة الذكر،
حتّى يكون القلب متلبّسًا بلباس الذكر وينزع عن نفسه لباسه وهو لباس البعد.

فيصير القلب إلهيًّا حقّانيًّا، وتتحقّق فيه حقيقة وروح هذه الآية: ﴿إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ11,12.

الآداب القلبيّة للقنوت والدعاء

1- معنى القنوت وحقيقة الباطنية:
يقول الإمام الخميني قدس سره: "القنوت، وهو حال المناجاة والانقطاع إلى الحقّ في خصوص الصلاة التي كلّها إظهار العبودية والثناء. وفي هذه الحالة، فإنّ ذات الحقّ المقدّسة جلّ وعلا فتحت باب المناجاة والدعاء على العبد خاصة، وشرّفه بهذا التشريف"13.

ويقول قدس سره: "وبالجملة، مقام القنوت في نظر الكاتب كمقام السجود، فذاك توجّه وإقبال على ذلّ العبودية وتذكّر مقام عزّ الربوبية، وهذا إقبال على عزّ الربوبية وتذكّر عجز العبودية وذلّها.

وهذا بحسب مقام المتوسّطين، وأمّا بحسب مقام الكمّل فكما إنّ السجود مقام فناء العبد وترك الغير والغيرية، فالقنوت مقام الانقطاع إلى الحقّ وترك الاعتماد على الغير، وهو روح مقام التوكّل.

وبالجملة، حيث إنّ القيام مقام التوحيد الأفعالي وهذا التوحيد يتمكّن في الركعة الثانية ففي القنوت تظهر نتيجته فيقدم العبد كشكول التسوّل إلى الحقّ وينقطع عن الخلق ويفرّ منهـم"
14.

فتارة يكون القنوت توجّهًا، وأخرى يكون تعبيرًا. ولا شكّ بأنّ من تحقّق بالمقامات تصبح الأفعال عند ظهور ما في باطنه من حقيقة المقام.

"أيّها العزيز، إنّ القنوت هو غسل اليد من غير الحقّ، والإقبال التامّ على عزّ الربوبية ومدّ اليد الخالية وسؤال الغني المطلق، وفي هذه الحالة من الانقطاع فإنّ الكلام عن البطن والفرج وذكر الدنيا منتهى النقصان وتمام الخسران"15.

إذا استحضر العبد السالك مقام ربّه، ورأى ذلّ نفسه وفقره، فلا يمكن أن يطلب من الله تعالى ما لا يليق بهذا المحضر المقدّس. فافرض أنّك وفدت على غنيٍّ كريم ذي ثروة هائلة، فهل يصحّ في منطق الأدب أن تطلب منه القليل أو الحقير، وهل يقبل هذا الكريم أن تسأله ما لا يليق بشأنه.

وافرض أنّك وفدت على عالم جليل ذي وفرة في العلم والتحقيق، فهل يليق أن تسأله مسألة شرعية يمكنك تحصيل الإجابة عنها من أيّ أحد؟

ألا يُعدّ هذا السؤال من سوء الأدب وضعف الوجدان؟! لهذا كان أعظم الآداب في الدّعاء أن تبدأ بالثناء على الله، وأن تدعو كما كان أولياء الله تعالى يدعون، يقول الإمام الخميني قدس سره: "أيا روحي، حيث إنّك الآن بعدت عن وطنك وهجرت مجاورة الأحرار وابتُليت بهذه الدار المظلمة ذات التعب والمحن الكثيرة، فلا تنسج حول نفسك كدود القزّ.

أيا عزيزي، إنّ الله الرحمن قد خمّر فطرتك بنور المعرفة ونار العشق، وأيّدها بأنوار كالأنبياء والأولياء، فلا تطفئ هذه النار بتراب الدنيا الدنيّة ورمادها، ولا تكدّر ذاك النور بكدورة التوجّه إلى الدنيا وظلمتها، وهي دار الغربة، فإنّك إذا توجّهت إلى الوطن الأصلي وطلبت الانقطاع إلى الحقّ من الحقّ وعرضت عليه حالة هجرانك وحرمانك بقلبٍ موجع وأظهرت حال مسكنتك واضطرارك وابتلائك، فيدركك الإمداد الغيبيّ وتنال المساعدة الباطنية وتجبر النقائص، إذ من عادته الإحسان ومن شيمته التفضلّ.

وإذا قرأت في القنوت من فقرات المناجاة الشعبانية لإمام المتّقين وأمير المؤمنين وأولاده المعصومين عليهم السلام، وهم أئمّة المعارف والحقائق، وخصوصًا قوله عليه السلام: "إلهي، هب لي كمال الانقطاع إليك..."16 إلى آخره، فاقرأه بحال الاضطرار والتبتّل والتضرّع، لا بقلبٍ ميّت كقلب الكاتب، فهو أنسب كثيرًا لهذه الحال"17.

2- أحكام القنوت:
يقول الإمام الخميني قدس سره: "اعلم أنّ القنوت من المستحبات المؤكّدة التي لا ينبغي تركها بل الأحوط الإتيان به، لأنّ بعض الأصحاب قال بوجوبه، وظاهر بعض الروايات أيضًا الوجوب، وإن كان الأقوى في الصناعة الفقهية، عدم الوجوب كما هو مشهور بين العلماء الأعلام.

وهو على هذه الكيفية الخاصّة المتعارفة بين الإمامية (رضوان الله عليهم)، بمعنى أنّه متقوّم برفع اليد حذاء الوجه وبسط باطن الكفّين نحو السّماء والدّعاء بالمأثور أو غير المأثور.

ويجوز الدّعاء بكلّ لسان، عربيًّا كان أم غير عربيّ، والعربيّ أحوط وأفضل"
18.

3- أفضل قنوت في الصلاة:
يقول الإمام الخميني قدس سره: "وقال الفقهاء: أفضل الأدعية فيه دعاء الفرج، ولم يرَ الكاتب دليلًا فقهيًّا معتدًّا به للأفضلية، ولكن مضمون الدّعاء دالّ على أفضليته التامّة، لأنّه مشتمل على التهليل والتسبيح والتحميد، وهي روح التوحيد كما بيّنا. وهو مشتمل أيضًا على الأسماء الإلهيّة العظمى كالله والحليم والكريم والعليّ والعظيم والربّ، وهو أيضًا مشتمل على ذكر الرّكوع والسّجود، وهو مشتمل أيضًا على أسماء الذات والصّفات والأفعال، وهو مشتمل أيضًا على مراتب تجلّيات الحقّ جلّ وعلا، وهو مشتمل أيضًا على السلام على المرسلين، وإن كان الأحوط تركه، ولكن الأقوى جوازه، وهو مشتمل أيضًا على الصلاة على النبيّ وآله عليهم السلام. فكأنّ هذا الدّعاء باختصاره مشتمل على جميع الوظائف الذكريّة للصّلاة، ويمكن إثبات أفضليّته بقول الفقهاء رضوان الله عليهم، إمّا بالتسامح في أدلّة السنن، وإن كان للكاتب فيه تأمّل، وإمّا بالكشف عن دليلٍ معتبر لم يصلنا كما هو مبنى الإجماع في نظر المتأخّرين.

ومن الأدعية الشريفة التي لها فضل عظيم، وهو مشتمل أيضًا على آداب مناجاة العبد الحقّ. ومشتمل على تعداد العطايا الكاملة الإلهيّة الذي يناسب حال القنوت، وهو حال المناجاة والانقطاع إلى الحقّ مناسبة تامّة، وبعض المشايخ العظام رحمه الله كان مواظبًا ومداومًا عليه تقريبًا، وهو دعاء "يا من أظهر الجميل"19. وهو من كنوز العرش وتحفة الحقّ تعالى لرسول الله، ولكلّ من فقراته فضائل وثواب كثير، كما في توحيد الشيخ الصدوق رحمه الله"
20.

آداب القنوت
يقول الإمام الخميني قدس سره: "والأفضل للعبد السالك في أدب العبودية أن يراعي في حال القنوت:
1- أدبَ المقام الربوبي المقدّس،
2- ويراقب أدعيته لتكون مشتملة على تسبيح الحقّ تعالى وتنزيهه، ومتضمّنة لذكر الحقّ وتذكّره.
3- ويكون ما يطلبه من الحقّ تعالى في هذه الحالة الشّريفة من سنخ المعارف الإلهيّة وفتح باب المناجاة والأُنس والخلوة والانقطاع إليه.
4- ويحترز عن طلب الدنيا والأمور الحيوانية الخسيسة والشهوات النفسانية كي لا يعتريه الخجل في محضر الأطهار فيصبح بلا حرمة، ووقار في محضر الأبرار"
21.

في التعقيب وآدابه القلبيّة
يقول الإمام الخميني قدس سره: "على العبد السالك أن يتفكّر في تعقيب الصلاة في نقصه وعبادته وغفلاته في حال الحضور، وهي بنفسها ذنب في مذهب العشق والمحبّة. ويتوجّه إلى حرمانه من حظوظ الحضور والمحضر المقدّس للحقّ جل جلاله، ويجبره بالمقدار الميسور في التعقيبات التي هي فتح باب آخر الرحمة من الحقّ تبارك وتعالى، ويوصل هذه الأذكار الشريفة إلى القلب ويحيي بها قلبه فلعلّه تختم خاتمته بالحسن والسعادة"22.

جعل الله التعقيب لأجل الاعتراف بالتقصير وجبرانه ببثّ شجونه. ولمّا كانت صلاتنا مقرونة بالتقصير دومًا فالأحرى أن نعقّبها بما يمكن أن يجبر حالنا.

ولأنّ الصلاة وصال، ولأنّ الوفادة على الغنيّ المطلق، فالأدب يقتضي أن نمدّ يد الحاجة إليه بعد كلّ صلاة. وقد ورد في الأحاديث الشريفة أنّ من صلّى ولم يسأل ربّه فقد جفاه.

"وهو من المستحبات المؤكّدة، ويكره تركه أيضًا، ويتأكّد استحبابه في الصبح والعصر"23.

لعلّ تأكّد استحباب بعد صلاة الصبح والعصر، لأنّهما وقتا انقلاب الأحوال والشروع في أحوال جديدة.

بعض التعقيبات المأثورة
يقول الإمام الخميني قدس سره: "والتعقيبات المأثورة كثيرة، منها: التكبيرات الثلاثة الاختتامية والمشايخ العظام يواظبون بأن يرفعوا أيديهم في كلٍّ تكبيرة منها إلى حذاء الأذن، ويبسطون باطن كفّهم حذاء القبلة كالتكبيرات الافتتاحية، وإثباتها مشكل، وإن أمكن استفادة رفع اليد ثلاث مرات من بعض الروايات، ولعلّه يكفي رفع اليد والتكبير ثلاثاً وقراءة دعاء: "لا إله إلا الله وحده" إلى آخره.

وإذا كان رفع اليد مستحبًّا كما يواظب عليه المشايخ فهو تمكين للأسرار التي ذكرناها.

ولعلّه إشارة إلى طرد صلاته وعباداته لئلّا يتطرّق العجب ورؤية النفس إلى قلبه.

والتكبيرات الثلاثة لعلّها إشارة إلى التكبير عن التوحيدات الثلاثة التي هي مقوّمة روح كلّ الصلاة، فالأدب القلبيّ لهذه التكبيرات هو أن يطرد المصلّي في كلّ رفع لليدين توحيدًا من التوحيدات الثلاثة ويكبّر وينزّه الحقّ جلّ وعلا عن توصيفات نفسه وتوحيداته، ويعرض عجزه وذلّته وقصوره وتقصيره في المحضر المقدّس للحقّ جلّ وعلا.

ونحن ذكرنا في رسالة سرّ الصلاة الأسرار الروحية لهذه التكبيرات، وذكرنا رفع اليد على نحو لطيف في تلك الرسالة، وهو من ألطاف الحقّ تعالى لهذا المسكين وله الشكر والحمد.

ومن جملة التعقيبات الشريفة، تسبيحات الصديقة الطاهرة علييها السلام التي علّمها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لتلك المعظّمة، وهي أفضل التعقيبات. وفي الحديث "أنّه لو كان شيء أفضل منه لنحله رسول الله فاطمة عليها السلام"24.

وعن أبي خالد القماط، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: "تسبيح فاطمة عليها السلام في كلّ يوم، في دبر كلّ صلاة أحبّ إلي من صلاة ألف ركعة في كلّ يوم"25.

والمعروف عند الأصحاب في ترتيبها: التكبير أربعاً وثلاثين مرّة، والتحميد ثلاثًا وثلاثين مرّة، والتسبيح ثلاثًا وثلاثين مرّة، ولا يبعد أن يكون هذا الترتيب أفضل لا المتعيّن، بل الإنسان مخيّر في التأخير والتقديم في التحميد والتسبيح، بل لعلّه مخيّر في تأخير التكبير وتقديم التسبيح أيضًا، ولكنّ الأفضل والأحوط هو الترتيب المشهور.

وآدابها القلبيّة هي التي ذكرت في التسبيحات الأربعة، والزائد عليها: أنّ هذه الأذكار حيث إنّها وردت بعد الصلاة والتسبيح فيها هو التكبير والتنزيه عن القيام بحقّ العبودية، وفي التكبير أيضًا تنزيه وتكبير عن اللياقة للعبادة لمحضر قدسه، وأيضًا تنزيه وتكبير عن المعرفة وهي غاية العبادة26.

وفي تحميد تسبيحات الصديقة عليها السلام يثبت هذه المحمدة، وهي القيام بالعبودية. للهوية الإلهيّة أيضًا، ويراها ويعدّها من توفيق وتأييد الذات المقدّسة وحولها وقوّتها، ويوصل حقائق هذه الأمور إلى سرّ القلب ويذيق الفؤاد سرّ هذه اللطائف ليحيي القلوب بذكر الحقّ، ويجد القلب الحياة الدائمة بالحقّ"27.

خصوصية استحباب بعد تعقيب صلاة الصبح
يقول الإمام الخميني قدس سره: "وحيث إن الصبح افتتاح الاشتغال بالكثرات والورود على الدنيا، ويواجه الإنسان مخاطر الاشتغال بالخلق والغفلة عن الحقّ فيحسن للإنسان السّالك اليقظان أن يتوسّل بالحقّ تعالى في ذلك الوقت الدقيق للورود في هذه الدار المظلمة وينقطع إلى حضرته، فإذا رأى نفسه غير وجيه في ذلك المحضر الشريف فيتوسّل بأولياء الأمر وخفراء الزمان وشفعاء الإنس والجان، أي الرسول الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة المعصومين عليهم السلام، ويجعل تلك الذوات الشريفة شفيعًا وواسطة.

وحيث إنّ لكلّ يوم خفيرًا ومجيرًا، فإنّ يوم السبت متعلّق بالوجود المبارك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويوم الأحد لأمير المؤمنين عليه السلام، ويوم الاثنين للإمامين الهمامين السبطين عليهم السلام، ويوم الثلاثاء للحضرات السجاد والباقر والصادق عليهم السلام، ويوم الأربعاء للحضرات الكاظم والرضا والتقيّ والنقيّ عليهم السلام، ويوم الخميس للعسكريّ عليه السلام، ويوم الجمعة لوليّ الأمر عجل الله تعالى فرجه الشريف.

فيناسب أن يتوسّل بعد صلاة الصبح للورود في هذا البحر المهلك الظلمانيّ والمصيدة المهيبة الشيطانية بخفراء ذلك اليوم ويسأل الحقّ تعالى رفع شرّ الشيطان والنفس الأمّارة بالسوء بشفاعتهم، فإنّهم مقرّبون لجناب القدس ومحارم خلوة الأنس ويجعلهم وسائط في الإتمام وقبول العبادات الناقصة والمناسك غير اللائقة، فالحقّ تعالى شأنه كما جعل محمدًّا صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته وسائط الهداية، وعيّنهم الهداة لنا، ونجّى الأمّة ببركاتهم من الضّلالة والجهل، فيرمّم بشفاعتهم قصورنا، ويتمّم نقصنا، ويقبل إطاعتنا وعباداتنا غير اللائقة، إنّه وليّ الفضل والإنعام.

والتعقيبات المأثورة مذكورة في كتب الأدعية، فلينتخب ما يناسب حاله، ويتمّ هذا السفر الشريف بالخير والسعادة"28.

* من كتاب الآداب المعنوية للصلاة في ضوء فكر الإمام الخميني(قده).


1- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 370.
2- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 371.
3- م.ن، ص 370.
4- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 370.
5- سورة الحديد، الآية 3.
6- سورة الأنفال، الآية 17.
7- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 371.
8- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 371.
9- م.ن، ص 372.
10- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 372.
11- سورة التوبة، الآية 111.
12- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 372.
13- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 374.
14- م.ن، ص 375.
15- م.ن، ص 374.
16- ابن طاووس، علي بن موسى‏، اقبال الأعمال، ج2، ص 687.
17- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 374 - 375.
18- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 373.
19- الشيخ الكليني، الكافي، ج2,ص 578.
20- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 373 - 374.
21- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 374.
22- م.ن، ص 377.
23- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 376.
24- الشيخ الكليني، الكافي، ج3، ص 343.
25- الشيخ الكليني، الكافي، ج3، ص 343.
26- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 376 - 377.
27- م.ن، ص 377 - 378.
28- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 378.

| 12901 قراءة

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد