مواقيت الصلاة
الفجر : 05:21
الشروق : 06:39
الظهر : 11:37
العصر : 14:16
المغرب : 16:54
العشاء : 17:49
منتصف الليل : 22:54
الإمساك : 05:12
X
X
الاعلان

التشهُّد والتسليم

التشهُّد والتسليم

التشهُّد والتسليم

التشهُّد:
وهو واجب من واجبات الصلاة، تبطل الصلاة بتركه عمدًا لا سهوًا، والواجب فيه قول: "أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ على محمّد وآل محمّد"1. ويجب التشهّد في الركعة الثانية بعد رفع الرأس من السجدة الثانية، وفي الركعة الأخيرة من الصلاة بعد رفع الرأس من السجدة الأخيرة.

في التشهُّد نشهد بوحدانية الله تعالى وبرسالة النبيّ الأكرم محمّد صلى الله عليه وآله وسلم. صحيح أنّنا نشهد بهذين الأمرين مرارًا وتكرارًا في الأذان والإقامة، لكن تلك الشهادة تكون في الشروع في الصلاة في (الأذان والإقامة)، أمّا هذه الشهادة فهي عند الخروج من الصلاة والانتهاء منها. والتأكيد على هذا التكرار في الشهادة هو من باب الحكمة، لأنّ الإنسان سريع الغفلة والنسيان، فهو يغفل عن وليّ نعمته وينسى فضله، وهذه الجمل (الشهادة) هي بمثابة حبل النجاة الذي يحفظ سفينة الإنسان من الأمواج والحوادث والانحراف، لتوصله إلى برّ الأمان الإلهي.

سمات التوحيد:
"لا إله إلا الله": الشعار الأوّل لجميع الأنبياء والرسل.

"لا إله إلا الله":هي الشهادة التي أقرّ بها جميع أصحاب العلم والملائكة: ﴿شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ2.

"لا إله إلا الله": هي الشهادة التي يسمعها كلّ مولود مسلم في أذنه عندما يأتي إلى الدنيا حديثاً، وكلّ إنسان مسلم عند وفاته، حين تُلقى له عند تشييعه وفي قبره.

"لا إله إلا الله": أحبّ الكلمات إلى الله تعالى، وأثقل عمل في الميزان.

"لا إله إلا الله": حصن الله المنيع، الذي من دخل إليه أمن من عذابه، فعن الإمام الرضا عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "قال رسول الله يقول الله عزّ وجلّ: "لا إله إلا الله حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي"3.

"لا إله إلا الله": هي الحدّ الفاصل بين الكفر والإسلام، فمن قالها دخل في حياض الإسلام وأمنه. جاء في الروايات والتفاسير أنّ رسول الله حين عاد من واقعة خيبر بعث أسامة بن زيد مع جمع من المسلمين إلى يهود كانوا يسكنون في قرية فدك، من أجل دعوتهم إلى الإسلام أو الإذعان لشروط الذمة، وكان مرداس اليهودي، وهو أحد الذين عرفوا بقدوم جيش الإسلام، قد أخذ أمواله وأولاده ولجأ بهم إلى أحد الجبال، هبَّ لاستقبال المسلمين وهو يشهد بوحدانية الله ورسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد ظنّ أسامة بن زيد أنّ هذا اليهودي يتظاهر بالإسلام خوفًا على نفسه وحفظًا لماله وأنه لا يبطن الإسلام في الحقيقة، فعمد أسامة إلى قتل هذا اليهودي واستولى على أغنامه، وما إن وصل نبأ هذه الواقعة إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم حتى تأثّر تأثّرًا شديدًا، وعاتبه على فعلته تلك، فاعتذر أسامة وقال: إنّما قالها (أي الشهادة) تعوّذًا بها من القتل. قال: فمن لك بها يا أسامة؟ قال أسامة: فوالذي بعثه بالحق ّما زال يُردّدها عليّ حتّى لوددت أنّ ما مضى من إسلامي لم يكن، وأنّي كنت أسلمت يومئذٍ وإنّي لم أقتله. وإلى ذلك تشير الآية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرً4، إذ ورد أنّها نزلت في هذه الحادثة5.

"لا إله إلا الله": شعار المسلمين عند عبور الصراط يوم القيامة6.

نقرأ في السيرة أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بداية دعوته قال لعمّه أبي طالب في ردّه على قريش، لمّا عرضوا عليه الملك والمال، على أن يترك الرسالة: "لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري ما أردته ولكن يعطوني كلمة يملكون بها العرب وتدين لهم بها العجم، ويكونون ملوكًا في الجنة. فقال لهم أبو طالب عليه السلام ذلك، فقالوا: نعم وعشر كلمات. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: تشهدون أن لا إله إلا الله وإنّي رسول الله. فقالوا: ندع ثلاثمئة وستين إلهًا ونعبد إلهًا واحدًا؟"7.

في بابٍ آخر، إذا ألقينا نظرة إلى دعاء يوم عرفة للإمام الحسين عليه السلام، وخطبة الإمام السجّاد عليه السلام في الشام بعد شهادة أبيه الإمام الحسين عليه السلام، فإنّ هذه الحقيقة سوف تتضح أكثر، وأنّ أولياء الله تعالى يعرفون هذه الشهادة بحقٍّ، ويقرّون بها بكلّ وجودهم وجوارحهم، وأنّ الأرض والسماء تشهد على ذلك.

وفي التشهُّد لا نكتفي بقول: "لا إله إلا الله"، بل نقول: "وحده لا شريك له" أي ليس له أيّ شريك، لا في الخلق ولا في التدبير ولا في التشريع: "ولم يكن له شريك في الملك"8. ليس هذا فحسب، بل إنّ العبودية له سبحانه أكبر فخرٍ لأوليائه: "كفى بي فخرًا أن أكون لك عبدًا".

إنّ العبودية لله تعالى تساوي حرّية الإنسان وتُعادلها، حريّته من جميع القيود والتعلّقات، فهي تمنح الإنسان القدرة على مواجهة جميع القوى والطواغيت، كما حصل لامرأة فرعون التي لم تخضع للمال والسلطة والقصور والذهب، لم يُغرِها ذلك كلّه، بسبب عبوديّتها لله تعالى وإقرارها بتوحيده، لأنّ العبودية منحتها القوّة مقابل سلطة فرعون وماله، فرعون الذي استطاع أن يستعبد الجميع، إلا هذه المرأة المؤمنة التي صارت أمثولة ونموذجًا يُحتذى لنساء العالم ورجاله: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ9.

التوحيد الخالص:
من الابتلاءات التي تعرض لأكثر الذين يعبدون الله تعالى اليوم، أنّهم يقولون بألسنتهم: "لا إله إلا الله"، لكنّهم عمليًّا يهيمون في وادٍ آخر، يتّبعون غير الله تعالى في العمل، يطلبون العزّة والقدرة من غيره سبحانه، يطيعون غيره، ويُحبّون غيره. والحقيقة هي
أنّ الشرك ظلمٌ عظيمٌ، وجرأةٌ على مقام الألوهيّة المقدّس، قال تعالى: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ10.

الشهادة بالرسالة:
"وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله":
نُشير بداية إلى أنّ الشهادة بعبوديّة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم مقدَّمة على الشهادة برسالته، وفي ذلك درسٌ لنا وبيانٌ. فالشهادة برسالة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم تعني نفي جميع التعاليم والمدارس البشريّة، والتسليم بخلود رسالته وعالميّتها وخاتميّتها، وتعني كذلك التمرّد على الطواغيت وحكوماتهم الظالمة. والشهادة برسالة النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم عهد وميثاق أخذه المولى تعالى من جميع الأنبياء منذ آدم عليه السلام، وهذا الإقرار شرط النبوة: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ11، فليس نحن البشر العاديّون فقط نقرّ ونقول: "أشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله" بل سبقنا الأنبياء إلى الإقرار برسالة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ونبوّته.

بناءً عليه، فإنّ العبوديّة أعلى مقامٍ للأنبياء، لا بل هي مقدِّمة الرسالة والنبوّة: "عبده ورسوله". العبودية هي التي كانت سببًا لعروج النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إلى حيث بلغ سدرة المنتهى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ12، ونزول الوحي: ﴿نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَ13. وفي موضعٍ آخر نجد أنّ المولى تعالى يُثني على أنبيائه بعبوديّتهم، فيقول في شأن نبيّه نوح عليه السلام: ﴿إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورً14. أمّا في شأن داود عليه السلام فقال: ﴿نِعْمَ الْعَبْدُ15.

ما يُميّز الأنبياء عن النوابغ والمخترعين، هو أنّ نبوغ هؤلاء بسبب الذكاء وعلى أثر المثابرة والتجربة، أمّا معجزات الأنبياء فكانت بسبب العبودية وعلى أثرها، وحدثت في ظلّ ألطاف الله تعالى، فالعبودية منشأ جميع مقامات الأنبياء. إنّ الإقرار بالعبودية تمنعنا من كلّ أنواع الغلوّ والإفراط والتطرّف في ما يتعلّق بمقامات أولياء الله سبحانه، لنعلم أنّ النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم الذي هو أفضل خلق الله، هو عبد لله تعالى.

ولا شكّ في وجوب الإقرار بالرسالة بصدقٍ وبعد قناعة وإيمانٍ، أمّا الإقرار باللسان فلا نفع فيه، فالمنافقون كانوا يشهدون برسالة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، وفي هذا الباب يقول المولى عزّ وجلّ: ﴿إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ16.

الصلاة على محمّد صلى الله عليه وآله وسلم:
بعد الشهادة بالتوحيد وإعلان الإيمان بالرسالة، نُصلّي على النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم مباشرة، فالصلاة دليل المحبّة والمودّة والوفاء لنبيّ الإسلام وآله صلوات الله عليه وعليهم أجمعين، وهي أمرٌ مطلوبٌ من كلّ مسلم، فقد طلب الله تعالى من رسوله أن يُعلن زهده في الأجر على الرسالة وعدم المطالبة إلا بمودّة ذوي قرباه: ﴿قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى17.

إنّ الصلاة على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم مؤونة الدنيا والآخرة، وهي باب قبول الدعاء18، وهي تُذهب بالنفاق، وتُجلّي القلوب من الصدأ، وتفتح أبواب السماء، ومن صلّى على محمّد وآله استغفرت له الملائكة19، وقُضيت حاجاته، وفتح الله عليه بابًا من العافية، وغُفرت ذنوبه، ووجبت له شفاعة النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم20. وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "ومن كان آخر كلامه الصلاة عليّ وعلى عليّ دخل الجنة"21.

فها هو الله تعالى في القرآن الكريم يُصلّي على نبيّه، أولًا، ثمّ يأمرنا بالصلاة عليه: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمً22.

نقاط للتأمّل والاعتبار:
الصلاة احترامٌ لفظيٌّ باللسان، لكن الأهم من ذلك الطاعة العملية، وهذه الأخيرة هي ما تُشير إليه عبارة "وسلّموا تسليمًا".

صلوات الله والملائكة على النبيّ دائمةٌ، لا انقطاع لها، وذلك أنّ الله يستخدم الفعل "يُصلّون" بصيغة المضارع الذي يدلّ على الاستمرار.

صلوات الله على محمّد صلى الله عليه وآله وسلم كرامةٌ، وصلوات الملائكة رحمةٌ، وصلوات الناس دعاء.

جاء في الرواية أنّ موسى ناجاه الله تبارك وتعالى فقال له في مناجاته وقد ذكر محمّدًا صلى الله عليه وآله وسلم: "فصلِّ عليه، يا ابن عمران فإنّي أُصلِّي عليه وملائكتي"23. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ذكر الله عزّ وجلّ عبادة، وذكري عبادة، وذكر عليّ عبادة، وذكر الأئمة من لدنا عبادة"24.

الصلاة تُثقل الميزان يوم القيامة. ورد كذلك في الحديث الشريف: "ما من دعاء إلا وبينه وبين السماء حجاب حتّى يُصلّي على محمّد وآل محمّد، وإذا فعل ذلك انخرق الحجاب، فدخل الدعاء، وإذا لم يفعل ذلك لم يرفع الدعاء"25. على أنّ الصلوات على محمّد وآل محمّد ليست فقط بالذكر واللسان، بل في الكتاب والقرطاس أيضًا. فقد ورد عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "من صلّى عليّ في كتابٍ لم تزل الملائكة تستغفر له ما دام اسمي في ذلك الكتاب"26.

كيفيّة الصلاة على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم:
ورد في كتب أهل السنّة ومصادرهم المعتبرة أنّ الصلاة التامّة على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم هي الصلاة التي يُذكر فيها آله ويُصلّى عليهم معه، وإلا تكون صلاة بتراء على حدّ تعبير الأخبار الواردة في هذا المجال. جاء في كتاب الغدير: "ذكر ابن حجر في الصواعق المحرقة ص 87 قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمً، وروى جملة من الأخبار الصحيحة الواردة فيها وأنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قرن الصلاة على آله بالصلاة عليه لمّا سُئِل عن كيفية الصلاة والسلام عليه، ثم قال: وهذا دليلٌ ظاهرٌ على أنّ الأمر بالصلاة على أهل بيته وبقية آله مرادٌ من هذه الآية، وإلا لم يسألوا عن الصلاة على أهل بيته وآله عقب نزولها ولم يجابوا بما ذكر، فلمّا أجيبوا به دلّ على أنّ الصلاة عليهم من جملة المأمور به، وأنّه صلّى الله عليه وآله أقامهم في ذلك مقام نفسه، لأنّ القصد من الصلاة عليه مزيد تعظيمه ومنه تعظيمهم، ومن ثم لمّا دخل من مرّ في الكساء قال: اللهمّ إنّهم منّي وأنا منهم فاجعل صلاتك ورحمتك ومغفرتك ورضوانك عليّ وعليهم. وقضية استجابة هذا الدعاء: إنّ الله صلى عليهم معه فحينئذ طلب من المؤمنين صلاتهم عليهم معه. ويروى: لا تصلّوا عليّ الصلاة البتراء. فقالوا: وما الصلاة البتراء؟ قال: تقولون: اللهم صلِّ على محمّدٍ وتُمسِكون، بل قولوا: اللهم صلِّ على محمّد وعلى آل محمّد"27.

ومن ذلك ما جاء أيضًا في الدرّ المنثور عن صحيح البخاري ومسلم وأبي داوود والترمذي والنسائي وابن ماجة، وهي أهمّ كتب السنة ومصادرهم. نقلوا أنّه جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: "قد علمنا كيف نُسلّم عليك يا رسول الله، فكيف نصلّي عليك؟ قال: قولوا اللهم صلِّ على محمّدٍ وآل محمّد، كما صلّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنّك حميد مجيد"28.

وهذا المطلب يُنظِّمه الإمام الشافعي شعرًا فيقول:
يا أهل بيت رسول الله حبّكم فرض من الله في القرآن أنزله
كفاكم من عظيم القدر أنّكم من لم يصلِّ عليكم لا صلاة له
29.

وذكر الآل في الصلاة على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم له دلالاته، ومنها أنّ هؤلاء الأشخاص لهم مكانة ممتازة ليست لسواهم، ومنها أنّ هؤلاء لهم دورهم في متابعة مسيرة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في مقام الهداية والإرشاد للناس بعده، ولولا ذلك لما استحقّوا هذا التكريم، ولكان ذكرهم لغوًا.

عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: "سمع أبي رجلًا متعلّقًا بالبيت وهو يقول اللهم صلِّ على محمّد فقال له أبي عليه السلام: لا تبترها لا تظلمنا حقّنا قل: اللهم صلِّ على محمّد وأهل بيته"30. وورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله: "من أراد التوسّل إليّ وأن تكون له عندي يد أشفع له بها يوم القيامة فليصلِّ على أهل بيتي ويُدخل السرور عليهم. ومن قال صلّى الله على محمّد ولم يُصلِّ على آله لم يجد ريح الجنة"31.

ويُروى عن أبي عبد الله الإمام الصادق عليه السلام قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما من قوم اجتمعوا في مجلس فلم يذكروا اسم الله عزّ وجلّ ولم يُصلّوا على نبيّهم إلا كان ذلك المجلس حسرةً ووبالًا عليهم"32. وقد وصف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من لم يُصلّ عليه بأبخل الناس، فقال: "البخيل حقًّا من ذُكِرتُ عنده فلم يُصلِّ عليَّ"33.

ونختم هذا البحث برواية وردت عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم لأمير المؤمنين ألا أُبشِّرك؟ قال بلى (إلى أن قال) أخبرَني جبرائيل أنّ الرجل من أمّتي إذا صلّى عليّ وأتبع بالصلاة على أهل بيتي فُتِحت له أبواب السماء وصلّت عليه الملائكة سبعين صلاة وإنّه للذنب حطًّا ثم تحات عنه الذنوب كما يتحات الورق من الشجر. ويقول الله تبارك وتعالى لبّيك عبدي وسعديك يا ملائكتي أنتم تُصلّون عليه سبعين صلاة وأنا أُصلّي عليه سبعمئة صلاة وإذا صلّى عليّ ولم يتبع بالصلاة على أهل بيتي كان بينها وبين السماوات سبعون حجابًا ويقول الله تبارك وتعالى: لا لبّيك ولا سعديك يا ملائكتي لا تصعدوا دعاءه إلا أن يُلحق بالنبيّ عترته فلا يزال محجوبًا حتّى يلحق بي أهل بيتي"34.

السلام
يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمً35.

بعد ذكر الصلاة على محمّد وآل محمّد، نُسلّم ثلاث تسليمات: واحدة على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والثانية على أنفسنا وعلى أولياء الله تعالى، والثالثة على المؤمنين.

نحن مأمورون بالتسليم على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بعد الصلاة عليه، فنقول: "السلام عليك أيُّها النبيّ ورحمة الله وبركاته". وهنا إشارة لطيفة، فبما أنّ الصلاة عروج الروح إلى السماء، فإنّه بتكبيرة الإحرام (في بداية الصلاة) ننقطع عن الخلق، ونلتحق بالخالق، وكأنّنا في نهاية الصلاة، نهبط من السماء، فنسلّم بداية على خير الخلق محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، وبعد ذلك ننتقل لنُصلّي على أنفسنا وعلى عباد الله الصالحين، فنقول: "السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين"، وهذه العبارة تشمل جميع الأنبياء والأوصياء والأولياء والأئمة المعصومين، لأنّ المولى تعالى أيضًا يُسلّم على أنبيائه وأوليائه، فنقرأ في القرآن الكريم: ﴿وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ36، و ﴿سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ37، و ﴿سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ38، و ﴿سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ39.

في الدِّين الإسلامي نرتبط بعباد الله الصالحين برابطة الإيمان العميقة، هذه العلاقة والرابطة تتعدّى حدود المكان والزمان، رابطة مع جميع الصالحين والأولياء والطاهرين في كلّ زمان وعصر ومكان.

بعد ذلك، نُصلّي على المؤمنين في الزمان الحاضر، فنُسلّم على المسلمين الحاضرين في صلاة الجماعة، والذين هم معنا في صفٍّ واحدٍ في الجماعة، ونُسلّم على الملائكة الحاضرين في جمع المسلمين، وعلى الملكين المكلّفين بكلّ واحدٍ منّا، فنقول: "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته". فالصلاة تبدأ باسم الله، وتنتهي بالسلام على خلق الله.

ومن الملاحظ أنّ التسليم تُراعى فيه التراتبيّة والمقامات، إذ نبدأ بالسلام على أشرف خلق الله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثمّ من يليه في الرتبة والمقام إلى أن نصل المؤمنين المحيطين بنا.

سمات السلام:
السلام: اسم من أسماء الله.
السلام: تحيّة أهل الجنة.
السلام: تحيّة الملائكة عند الدخول إلى الجنة.
السلام: رسالة الله الرحيم.
السلام: ضيافة ليلة القدر.
السلام: أوّل حقٍّ للمسلم على المسلم.
السلام: مفتاح كلّ كلامٍ وكتابٍ.
السلام: رسالة أمان من كلّ خوفٍ وشرٍّ.
السلام: من أبسط الأعمال الحسنة.
السلام: علامة التواضع.
السلام: عامل محبّة وألفة.
السلام: إظهار الصلح والمسالمة.
السلام: أوّل هدية إنسان لإنسان.
السلام: تمنّي السلامة لعباد الله.
السلام: دعوة إلى السلام العالمي.
السلام: منحة للأمل والنشاط.
السلام: ترفع الكدر من قلوب المتخاصِمين وتغسل أدارنها.
السلام: إعلان عن الحضور، وإجازة الدخول.
السلام: خفيفة على اللسان ثقيلة في الميزان.
السلام: الكلام الوحيد الذي يخاطب الموتى والأحياء.
السلام: علامة التعظيم والتكريم.
السلام: سبب لجلب رضا الله وسخط إبليس.
السلام: وسيلة لإدخال السرور إلى القلوب.
السلام: كفّارة للذنوب، وزيادة في الحسنات.
السلام: رسالة تُعلِّم الأنس والصداقة والمحبّة.
السلام: تمحو آثار الكبر والأنانية.
السلام: أدب إلهيّ، وأطيب الكلام.
السلام: استقبال كلّ خير، ومفتاح كلّ كلام.
السلام: كمال، وتركه بخل وتكبّر وغرور وانزواء وغضب وقطع رحم.
السلام: سحابة رحمة نظلل بها رؤوس الخلق، لذلك نقول "السلام عليكم" ولا نقول "السلام لكم". فقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

يُسلّم على الصبيان والصغار40، ولم يتركه طوال عمره. قال صلى الله عليه وآله وسلم: "خمس لا أدعهن حتى الممات:... والتسليم على الصبيان لتكون سنّةً من بعدي"41.

صحيح أنّ السلام تطوّع والردّ فريضة، كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم42، غير أنّ ثواب من بدأ السلام أضعاف ثواب الرادّ. فقد ورد في الحديث: "للسلام سبعون حسنة، تسع وستون للمبتدي، وواحدة للرادّ، والبادي بالسلام أولى بالله ورسوله"43.

ورد في آداب السلام عن رسول الله: "يُسلِّم الصغير على الكبير، ويُسلِّم الواحد على الاثنين، ويُسلِّم القليل على الكثير، ويُسلِّم الراكب على الماشي، ويُسلِّم المارّ على القائم، ويُسلِّم القائم على القاعد"44. قال تعالى: ﴿وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبً45.

* شرح الصلاة


1- انظر: الإمام الخميني، تحرير الوسيلة، ج 1، ص 180.
2- سورة آل عمران: الآية 18.
3- بحار الأنوار، ج 3، ص 13.
4- سورة النساء: الآية 94.
5- تفسير الأمثل، ج 3، ص 396- 397.
6- جامع الأحاديث، ج 1، ص 188.
7- تفسير نور الثقلين، ج 4، ص 443.
8- سورة الإسراء، الآية: الأخيرة.
9- سورة التحريم: الآية 11.
10- سورة لقمان: الآية 13.
11- سورة آل عمران: الآية 81.
12- سورة الإسراء: الآية 1.
13- سورة البقرة: الآية 23.
14- سورة الإسراء: الآية 3.
15- سورة ص: الآية 30.
16- سورة المنافقون: الآية 1.
17- سورة الشورى: الآية 23.
18- الكافي، ج 2، ص 492.
19- مرآة العقول، ج 12، ص 109.
20- انظر: بحار الأنوار، ج 91، ص 58، باب من صلى على محمد وآل محمد.
21- وسائل الشيعة، ج 4، ص 1216.
22- سورة الأحزاب: الآية 56.
23- تفسير نور الثقلين، ج 4، ص 305.
24- بحار الأنوار، ج 91، ص 69.
25- بحار الأنوار، ج 91، ص 64.
26- بحار الأنوار، ج 91، ص 71.
27- الشيخ عبد الحسين الأميني، الغدير، ج 2، ص 302- 303. أخرجه أحمد في مسنده ، 6ج ، ص 323.
28- نقلا عن: الميزان في تفسير القرآن، ج 16، ص 365، وصحيح البخاري، ج 6، ص 151، باب الصلاة على النبي، ومسند أحمد، ج 5، ص 353.
29- الغدير، ج 2، ص 303.
30- وسائل الشيعة، ج 4، ص 1218.
31- وسائل الشيعة، ج 4، ص 1219.
32- الكافي، ج 2، ص 497.
33- وسائل الشيعة، ج 4، ص 1220.
34- وسائل الشيعة، ج 4، ص 1220.
35- سورة الأحزاب: الآية 56.
36- سورة الصافات: الآية 181.
37- سورة الصافات: الآية 79.
38- سورة الصافات: الآية 109.
39- سورة الصافات: الآية 120.
40- سنن أبي داود، ج 2، ص 519، والمصنف، ج 6، ص 144.
41- ميزان الحكمة، ج 2، ص 1350.
42- الكافي، ج 2، ص 644.
43- بحار الأنوار، ج 73، ص 11.
44- مستدرك الوسائل، ج 8، ص 372، والكافي، ج 2، ص 346.
45- سورة النساء: الآية 86.

| 6377 قراءة

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد