مواقيت الصلاة
الفجر : 05:21
الشروق : 06:39
الظهر : 11:37
العصر : 14:16
المغرب : 16:54
العشاء : 17:49
منتصف الليل : 22:54
الإمساك : 05:12
X
X
الاعلان

البيان الإجمالي للطهور

البيان الإجمالي للطهور

البيان الإجمالي للطهور

تمهيد

إنّ الطّهارة المطلقة هي الهدف الأعلى من كلّ طهارة، وهي عبارة عن خلوّ القلب والباطن من كلّ ما يبعد عن الله، فهو تعالى غاية الغايات ومنتهى الرّغبات.

فعندما نتوجّه إلى تطهير ظاهرنا من النجاسات والقذارات، علينا أن نستحضر معنى القذارات الباطنية، ونطلب الطّهارة منها. ومثلما أنّنا نندفع للتخلّص من أرجاس الظّاهر لكي ندخل إلى الصّلاة، علينا أن نبحث عن أرجاس الباطن ونتخلّص منها لكي نعرج بالصّلاة.

إنّ معراج الإنسان يتطلّب مشاركة كلّ وجوده بكلّ مراتبه في هذا السّفر المعنويّ. وفي كلّ مرتبة يوجد قذارات ونجاسات يجب عليه إزالتها والتطهّر منها إذا أراد أن يصل بحقيقته إلى الغاية المنشودة.

وهذه الحقيقة التي يعبّر عنها بالنّفس الإنسانية الناطقة ذات مراتب كليّة ثلاث، هي:
مرتبة الظّاهر وعالم الملك، ومرتبة المثال والعالم البرزخيّ المتوسط، ومرتبة الملكوت وعالم الغيب، ولكلّ مرتبةٍ قواها وجنودها. ويعرض على كلٍّ منها أنواع من القذارات، يعرّفنا الإمام عليها ويدلّنا على كيفيّة التطهّر منها وتطهيرها، حتى نبلغ مقام الطّهارة المطلقة، ويكون كلّ وجودنا ظاهرًا وباطنًا لله تعالى.

ضرورة الطّهارة الباطنيّة
إنّ محضر الله تعالى هو عالم الطّهارة المطلقة من كلّ دَنَس. ويستحيل أن تتطرّق الأرجاس إلى محضر الله، لأنّه عالم النّور المطلق والوجود الصّرف والكمال اللامتناهي، ولأنّ منشأ جميع القذارات هو نقص الكمال أو جهة العدم وضعف الوجود. فمن كان مطلق
الوجود يستحيل أن يجتمع معه أيّ درجة من العدم. وحيثما كان الموجود ناقصًا، فهو لم يبلغ تلك الطّهارة المطلقة التي تجعله لائقًا لمحضر الله تعالى، ويعني ذلك أنّ المقرّبين هم المطهّرون من جميع أرجاس النقائص والأعدام.

إنّ الله تعالى فيّاض على الإطلاق، ولا حدّ لعطائه وكرمه، ولهذا، فإنّه لا يقرّب إلّا بعد أن يطهّر.

يقول الإمام الخميني قدس سره: "فليُعلم أنّه طالما كانت حقيقة الصّلاة هي العروج إلى مقام القرب والوصول إلى مقام حضور الحقّ جلّ وعلا، فللوصول إلى هذا المقصد الأعلى والغاية القُصوى يلزم طهارات غير هذه الطّهارات.

وأشواك هذا الطّريق وموانع هذا العروج هي قذارات لا يتمكّن السّالك مع اتّصافه بإحداها من الصّعود إلى هذه المرقاة والعروج بهذا المعراج.

وما يكون من قبيل هذه القذارات فهو موانع الصّلاة ورجس الشّيطان، وما يكون معينًا للسّالك في السّير، ومن آداب الحضور فهو من شروط هذه الحقيقة"1.

ولهذا، فقد شرط الإمام على السّالك أن يبدأ قبل أيّ شيء برفع هذه الموانع والقذارات فقال قدس سره: "ويلزم للسّالك إلى الله في بدء الأمر رفع الموانع والقذارات كي يتّصف بالطّهارة ويتيسّر له حصول الطّهور الذي هو من عالم النّور. وما لم يتطهّر من جميع القذارات الظّاهريّة والباطنيّة والعلنيّة والسريّة، لا يكون للسّالك أيّ حظّ من المحضر والحضور"2.

وأوّل ما ينبغي أن يعلمه السّالك أنّ للنفس مراتب، ولكلّ مرتبة نوع من القذارات التي يمكن أن تعرض عليها بحسب ابتلائها بشؤونات هذا العالم، فأوّل مرتبة هي مرتبة الظّاهر:

طهارة الظاهر من المعاصي وآثارها
المعاصي هي نجاسات المرتبة الأولى، وهي عالم الملك والظّاهر وقواه التي هي الجوارح والأقاليم السبعة: العين والأذن والفم واليد والرجل والبطن والفرج. ولها آثار، هي:

1- آثار المعاصي:
أ- الحرمان من فيض المحضر وحصول القرب:
يقول الإمام الخميني قدس سره: "فأوّل مرتبة من مراتب القذارات هي تلوّث الآلات والقوى الظّاهرية للنّفس بلوث المعاصي وتقذّرها بقذارة التمرّد على وليّ النّعم، وهذا هو الفخّ الصّوريّ الظّاهريّ لإبليس. وما دام الانسان أسير هذا الفخّ، فهو من فيض المحضر وحصول القرب الإلهيّ محروم"3.

ب- تلوّث الظّاهر مانع من تطهير الباطن:
يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: "ولا يظنّن أحد أنّه يمكن أن يرقى إلى مقام حقيقة الإنسانيّة، أو يستطيع أن يطهّر باطن قلبه من دون تطهير ظاهر مملكة الإنسانيّة، فهذا غرور الشّيطان ومن مكائده العظيمة، وذلك لأنّ الكدورات والظّلمات القلبيّة تزداد بالمعاصي التي هي غلبة الطّبيعة على الرّوحانيّة. وما دام السّالك لم يفتتح المملكة الظّاهريّة فهو محروم بالكامل من الفتوحات الباطنيّة التي هي المقصد الأعلى، ولا ينفتح له طريق إلى السعادة"4.

وفي المقابل، فإنّ الباطن لو كان طاهرًا، لما قَبِل بتلوث الظّاهر بالمعاصي، لأنّ الظّاهر هو أداة الباطن ووسيلته للحفاظ على الطّهارة الباطنية، فمن حسُنت أخلاقه، قلّت ذنوبه، ومن أخلص قلبه، حسُنت أخلاقه.

2- كيفيّة تطهير المملكة الظّاهرية:
أ- معرفة أصل الطّهارة والعصمة:
إنّ الأصل الأوّليّ في حركة الطّهارة بجميع مراتبها، أن يعلم الإنسان قبل أيّ شيء أنّ الطّهارة المطلقة هي أصل خلقته، وإنّما امتدّت اليد الخبيثة لإبليس اللعين وأخرجت نفسه عن طهارتها الأوّليّة، ويجب عليه أن يستعيد هذه الطّهارة، يقول الإمام الخميني قدس سره: "وليُعلم أنّ جميع القوى الظّاهريّة والباطنيّة التي أعطانا الله إيّاها وأنزلها من عالم الغيب، هي أمانات إلهيّة كانت طاهرة من جميع القذارات، وكانت طاهرة مطهّرة، بل كانت متنوّرة بنور الفطرة الإلهيّة وبعيدة عن ظلمة تصرّف إبليس وكدورته. فلمّا نزلت إلى ظلمات عالم الطّبيعة وامتدّت يد تصرّف شيطان الواهمة ويد الخيانة الإبليسيّة إليها، خرجت عن الطّهارة الأصليّة والفطرة الأوليّة، وتلوّثت بأنواع القذارات والأرجاس الشّيطانيّة"5.

ب. التّوبة النّصوح:
فإذا علم السّالك أنّ أصل الطّهارة من الله تعالى، فعليه أن يؤوب إليه ويرجع طالبًا منه الطّهارة، وهذه هي حقيقة التوبة، يقول الإمام الخميني قدس سره: "فأحد الموانع الكبيرة لهذا السّلوك هو قذارات المعاصي التي لا بدّ أن تطهّر بماء التوبة النصوح الطاهر الطّهور"6.

ج- التمسّك بوليّ الله شرط لتحقيق الطّهارة:
التمسّك بذيل عناية وليّ الله هو الدّخول في الحصن الحصين والملجأ المنيع من جنود إبليس، كما جاء عن الإمام الرضا عليه السلام في "كلمة "لا إله إلا الله" حصني7. وحصن المعصوم هو الولاية بشرطها وشروطها، والتي تشكّل ذاك المعسكر ذا الصفّ المرصوص الذي لا يصعُب اختراقه، وهو عبارة عن تلك البيئة الاجتماعيّة والجهاديّة التي تشكّل سدًّا منيعًا أمام نفوذ آثار البيئة الفاسدة التي تدعو إلى كلّ معصية وقبيح.

يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: "فالسّالك إلى الله إذا أبعد يد الشّيطان بالتمسّك بذيل عناية ولّي الله، وطهّر المملكة الظّاهريّة وردّ الأمانات الإلهيّة كما أخذها، فهو ما خان الأمانة حينئذٍ. وإن صدرت منه خيانة فهو مورد للغفران والستّاريّة، فيستريح خاطره من ناحية الظّاهر"8.

3- علاقة حصول الطّهارة:
فكيف تتجلّى طهارة الظّاهر عندئذٍ؟ هنا يجيب الإمام الخميني قدس سره قائلًا: "فأوّل مرتبة للطّهارة هي الاستنان بالسّنن الإلهيّة وإطاعة أوامر الحقّ"9.

طهارة الخيال من الأخلاق الفاسدة
المرتبة الثانية للنفس هي البرزخية، والتي يُعبَّر عنها بعالم المثال، وتكون الحواس الباطنة قواها. وقذارتها عبارة عن تلك الأخلاق الرذيلة والملكات الخبيثة:

1- آثار الأخلاق الفاسدة:
أ- الحرمان من مقام القدس:
يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: "ويقوم بتخلية الباطن من أرجاس الأخلاق الفاسدة، وهذه هي المرتبة الثانية من القذارات التي فسادها أكثر وعلاجها أصعب، وعند أصحاب الارتياض أهمّ، لأنّه ما دام الخُلق الباطنيّ للنّفس فاسدًا والقذارات المعنويّة محيطة بها، لا تليق بمقام القدس وخلوة الأنس، بل مبدأ فساد المملكة الظّاهريّة للنّفس هو الأخلاق الفاسدة والملكات الخبيثة"10.

ب- الحرمان من الاستقامة:
صحيح أنّ بدء حركة الطّهارة يكون بتطهير الجوارح من قذارة المعاصي، لكنّ رسوخ هذه الحالة من التقوى موقوف على تطهير أصل نشوء المعاصي، وهو رذائل الأخلاق كما علمت، لهذا، يقول الإمام الخميني قدس سره: "وما دام السّالك لم يبدّل الملكات السيّئة بالملكات الحسنة فليس مأمونًا عن شرور الأعمال. وإذا وُفّق للتوبة، فإنّ الاستقامة عليها ـ التي هي من المهمّات ـ لا تتيسّر له. فتطهير الظّاهر أيضًا متوقّف على تطهير الباطن"11.

ج- الحرمان من السعادة والدخول في جهنّم الأخلاق:
فإذا أصبحت الأخلاق الفاسدة ملكات راسخة في النّفس، حُشرت معها أو بها. ولا شكّ بأنّ مآل الإنسان في الآخرة ومصيره هو بحسب باطنه وجوهره، فمن كان باطنه وسريرته فاسدة فلا يصلحه إلا النّار، لهذا يقول الإمام الخميني قدس سره: "مضافًا إلى أنّ القذارات الباطنيّة موجبة للحرمان من السّعادة ومنشأ لجهنّم الأخلاق التي هي كما يقول (أهل المعرفة) أشدّ حرًّا من جهنّم الأعمال، وقد أشير كثيرًا إلى هذا المعنى في أخبار أحاديث أهل بيت العصمة"12.

هذا على صعيد العقاب، والعقاب الذي هو أشدّ ألمًا عبارة عن الحرمان من لقاء الله، لهذا يقول الإمام الخميني قدس سره: "وما لم يحصل الخروج من أمّهات المذام الأخلاقيّة التي هي مبدأ فساد المدينة الفاضلة الإنسانيّة ومنشأ للخطيئات الظّاهريّة والباطنيّة، لن يجد السّالك طريقًا إلى المقصد ولا سبيلًا إلى المقصود"13.

وقد جرت سنّة الله تعالى في طرد المتلوّثين برذائل الصّفات أوّل ما جرت على إبليس، فكان لنا فيه عبرة دائمة، يقول الإمام الخميني قدس سره: "إنّ الشّيطان الذي كان مجاورًا لعالم القدس ويُعد في سلك الكروبيين، فإنّه آخر الأمر أُبعد بسبب الملكات الخبيثة عن جناب مقام المقرّبين، وأُرجم بنداء ﴿فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ14. فإذًا نحن المتأخّرين عن قافلة عالم الغيب والسّاقطين في بئر الطّبيعة العميق والمردودين إلى أسفل سافلين، كيف يمكن مع اتّصافنا بالملكات الشّيطانية الخبيثة أن نليق لمحضر القدس ونكون مجاورين للرّوحانيّين ورفقاء للمقرّبين"15.

ولقد كان العجب بالنّفس الذي ينشأ من رؤية التّأثير والخلق منها سببًا لكلّ شقاء، يقول الإمام الخميني قدس سره: "إنّ الشّيطان رأى نفسه ورأى ناريّته، وقال: ﴿أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ16، وهذا الإعجاب بالنّفس صار سببًا لعبادة نفسه والتّكبّر، وتحقير آدم وإهانته، وقال: ﴿وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ17، وقاس قياسًا باطلًا ولم يرَ حسن آدم وكمال روحانيته، بل رأى ظاهره ومقام طينيته وترابيته، ورأى من نفسه مقام ناريّته، وغفل عن الشّرك وحبّ النّفس ورؤيتها، فصار حبّ النّفس حجابًا لرؤية نقصه وشهود عيوبه. وصارت هذه الرؤية للنّفس وحبّها سببًا لعبادة النّفس والتكبّر والتّظاهر والرّياء والاستقلال في الرأي والعصيان، وأبعد عن معراج القدس إلى تيه الطّبيعة المظلمة"18.

2- كيفية تطهير المرتبة الثانية:
أ- الشرع الأنور: أساس برنامج التطهير:
لله تعالى في شريعته اهتمام خاصّ بتطهير النّفس من مساوئ الأخلاق، ولهذا ينبغي للسّالك أن يستخرج برنامج الطّهارة من هذه الشّريعة ولا يسلك مسالك الرياضات المخترعة، يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: "فاللازم للسّالك إلى الله أن يطهّر نفسه من أمّهات الرّذائل والأرجاس الباطنية الشّيطانيّة عند تطهيره الأرجاس الصوريّة، وأن يغسل المدينة الفاضلة بماء رحمة الحقّ والارتياض الشرعي، ويصفّي قلبه الذي هو محلّ لتجلّي الحقّ، ويخلع نعلَي حبّ الجاه والشّرف، كي يليق للدخول في الوادي المقدّس الأيمن، ويكون قابلًا لتجلّي الرّبّ. وما لم يحصل التّطهير من الأرجاس الخبيثة لا يمكن له التّطهير من الأحداث، لأنّ تطهير الظّاهر مقدّمة لتطهير الباطن"19.

ب- التحلّي بفضائل الأخلاق:
وعليه أن يسلك برياضته طريق التحلّي بالفضائل، لأنّ النّفس لا يمكن ألّا تتّصف بشيء. ولا بدّ من استبدال صفاتها الخبيثة بصفات طيّبة فاضلة، فيقول الإمام الخمينيّ قدس سره: "وما دام السّالك لم يبدّل الملكات السيّئة بالملكات الحسنة، فليس مأمونًا عن شرور الأعمال"20.

ج- العلم النافع:
العلم النافع هو العلم بمضارّ الأخلاق الفاسدة وما ينجم عنها وما هي عواقبها وآثارها في الدّنيا والآخرة. فمن كان في نفسه بقيّة طهارة، وأدرك وخامة العجب والكبر والحسد، توجّهت نفسه إلى الخلاص منها بعد الشّعور بألم التلبّس بها.

والعلم النافع هو الذي يبيّن للإنسان كيفيّة التخلّص من الأمراض القلبيّة والرّذائل الأخلاقيّة وسبل العلاج منها.

"فيلزم للسّالك إلى الله هذه الطّهارة أيضًا، وبعد أن غسل عن لوح النّفس التلوّث بالأخلاق الفاسدة بماء العلم النّافع الطّاهر الطّهور"21.

طهارة القلب من التعلّق بما سوى الله
المرتبة الثالثة هي مرتبة القلب، وهي التي تعبّر عن هويّة الإنسان الحقيقية، وهي الهويّة الغيبيّة للنّفس ومعدن وجودها. وقذارتها هي وجود التوجّه إلى غير الله في القلب، يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: "وهي عبارة عن التعلّق بغير الحقّ والتوجّه إلى النّفس وإلى العالم. ومنشؤها جميعًا حبّ الدّنيا الذي هو رأس كلّ خطيئة وحبّ النّفس الذي هو أمّ الأمراض"22.

1- آثار قذارة القلب:
وينبغي الالتفات إلى مخاطر هذه القذارة، حيث تشكّل الغفلة عنها سبب بقاء جميع القذارات، لأنّها منبعها جميعًا، ويذكر الإمام الخمينيّ قدس سره هذه المخاطر بصورة الآثار التي تنجم عن قذارة القلب، فيقول قدس سره:
أ- فساد مملكة وجود الإنسان كلّها:
"عليه أن يشتغل بتطهير القلب الذي هو أمّ القرى، وبصلاحه تصلح الممالك كلّها، وبفساده تفسد كلّها"23.

ب- مبدأ جميع القذارات:
"وقذارات عالم القلب مبدأ القذارات كلّها"24.

ج- الانحراف عن المقصد:
"وما دامت جذور هذه المحبّة (حبّ الدّنيا) في قلب السّالك لا يحصل فيها أثر من محبّة الله، ولا يهتدي طريقًا إلى منزل المقصد والمقصود. ومادام للسّالك في قلبه بقايا من هذه المحبّة، لا يكون سيره إلى الله، بل يكون إلى النّفس وإلى الدّنيا وإلى الشّيطان، فالتطهير من حبّ النّفس والدّنيا هو أوّل مراتب تطهير السّلوك إلى الله في الحقيقة، لأنّه قبل هذا التّطهير لا يكون السّلوك سلوكًا، وإنّما يُطلق السّلوك والسّالك على سبيل المسامحة"25.

2- كيفيّة التّطهير من قذارات القلب:
إذا أردنا لقلوبنا أن تسلم وتطهر، فينبغي أن نسلّمها لله الحقّ المتعال. وهذا التّسليم هو روح الإسلام، كما جاء في كلمات أمير المؤمنين عليه السلام: "الاْسْلاَمُ هُوَ التّسليم"26. فعندما يسلّم السّالك لله في قضائه وفي تدبيره، يسير على طريق مخالفة النّفس والهوى الذي هو أصل قذارة القلب، لهذا يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: "والمرتبة الثالثة هي الطّهور القلبيّ الذي هو عبارة عن تسليم القلب للحقّ"27.

3- طهارة القلب وحالاتها:
في هذا النّصّ الرّائع يذكر الإمام الخميني قدس سره كيف تسري الطّهارة في القلب، ومنه إلى جميع مراتب وجوده، وما يترتّب على هذه الطّهارة في جميع شؤونه: "وبعد هذا التّسليم يصبح القلب نورانيًّا، بل يكون بذاته من عالم النّور ودرجات النّور الإلهيّ. وتسري نورانيّة القلب إلى سائر الأعضاء والجوارح والقوى الباطنة وتصبح كلّ المملكة نور، ونور على نور حتّى يصل الأمر إلى حيث يصبح القلب إلهيَّا لاهوتيَّا وتتجلّى حضرة اللاهوت في جميع مراتب الباطن والظّاهر. وفي هذه الحالة، تفنى العبودية كليًّا وتختفي وتظهر الرّبوبيّة وتتجلّى. فيعرض على قلب السّالك في هذه الحالة الطّمأنينة والأنس، ويصبح العالم كلّه محبوبه وتأخذه الجذبات الإلهيّة وتغفر خطاياه وزلّاته، وتستتر في ظلّ التجلّيات الحبّيّة، وتحصل له بدايات الولاية ولياقة الورود إلى محضر الأنس. ومن بعدها منازل لا يتناسب ذكرها وهذه الأوراق"28.

القلب الإلهيّ هو القلب الذي لا تنعكس منه سوى أنوار العظمة الإلهيّة، وهو القلب الذي ورد بشأنه: "ما وسعني أرضي ولا سمائي، ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن"29. هو القلب الذي يظهر الحقائق الإلهيّة برمّتها ويكون مظهر ﴿وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ30.

ومن أحبّه الله تعالى ستر على ذنبه وغطّاه، وهو معنى ستر التعيّنات الخلقيّة التي هي منشأ جميع الذنوب كما قيل: "وجودك ذنب لا يقاس به ذنب"31.

والولاية مقام القرب الذي فيه تظهر التّدبيرات الربانية وتتحقّق معاني: "إنّ لله عباداً إذا أرادوا أراد".

ويقول الإمام قدس سره: "وبعد هذا المنزل منازل المدن السّبعة لعشق العطار يظهر نموذج منها للسّالك. وذاك القائل السّالك رأى نفسه في أّول منعطف من زقاقها"32.

والمدن هي مراحل السّير إلى الله التي تبدأ بالطّلب وتنتهي بالفناء. فأوّلها طلب الحقّ تعالى، ثمّ عشقه، ثمّ معرفته، ثمّ الاستغناء به، ثمّ توحيده، ثمّ الحيرة في أسمائه وجماله إلى حيث الفناء فيه.

ومن أجل ألّا نستعظم هذه الحالات والمقامات فيدفعنا ذلك إلى إنكارها دون أن نشعر يلفت الإمام الخميني قدس سره نظرنا إلى نصحه وحرصه علينا، فيقول: "ونحن وراء الأسوار والحجب الضخمة، ونحسب تلك البلاد وأمراءها من الأساطير.

أنا لا دخل لي بالشّيخ العطار أو ميثمّ التمّار، ولكن لا أنكر المقامات من أصلها، وأطلب صاحبها بالقلب والرّوح، وأرجو الفرج في هذه المحبّة. وأنت كن كما شئت، واتّصل بمن شئت.

ولكن، لن أكون خائنّا للأحبّاء العرفانيين في الأخوّة الإيمانيّة والخلّة الرّوحانيّة، ولا أضيق من النّصيحة لهم، وهي من حقوق المؤمنين"33.

الطهارة من الجهل المركّب
وبالنّظر إلى خطورة إنكار المقامات يذكر الإمام الخمينيّ قدس سره العامل الأساس وراء ذلك وهو قذارة الجهل المركّب، فيقول قدس سره: "فإنّ أعظم القذارات المعنويّة التي لا يمكن تطهيرها بسبعة أبحر، وأعجزت الأنبياء العظام هي قذارة الجهل المركّب، الذي هو منشأ ذاك الدّاء العضال، ألا وهو إنكار مقامات أهل الله وأرباب المعرفة ومبدأ سوء الظنّ بأصحاب القلوب. وما دام الانسان ملوّثًا بهذه القذارة، لا يتقدّم خطوة إلى المعارف، بل ربّما تطفئ هذه الكدورة نور الفطرة الذي هو مصباح طريق الهداية، وتنطفئ بها نار العشق التي هي بُراق العروج إلى المقامات وتخلّد الإنسان في أرض الطّبيعة"34.

الجاهل الذي يظنّ نفسه عالمًا هو المسمّى بالجاهل المركّب، لأنّه جاهلٌ بجهله. وعندما لا يدرك الإنسان مدى جهله لا يلتفت إلى ما خفي عنه، فيظن أنّه بلغ غاية العلم ومنتهاه. فإذا جاء من يخبره عن مقامات لا يعرف عنها شيئًا لم يقبل ذلك ورمى الكلام بالباطل وصاحبه بالجهل، فيؤدّي به جهله المركّب إلى إنكار المقامات، ومن ثمّ إنكار من يتّصف بها، وقد يصل الأمر به إلى حد معاداة كلّ من يتحدّث عنها أو يمثّلها.

وينصح الإمام بضرورة التفكّر في أحوال الأولياء، لأنّ أكثر الذين يحبّون أولياء الله لا يعرفون مقاماتهم، ويظنّون أنّ الحديث عن هذه المقامات هو من اختراعات بعض المنحرفين. فيطعنون بها دون معرفة منهم أنّهم يطعنون بأهلها الواقعيّين.

فيقول الإمام الخميني قدس سره: "فاللازم على الانسان أن يغسل هذه القذارة من باطن القلب بالتفكّر في حال الأنبياء والأولياء الكمّل (صلوات الله عليهم) وتذكّر مقاماتهم، وألاّ يقنع بالحدّ الذي هو فيه"35.
 

* الآداب المعنوية للصلاة في ضوء فكر الإمام الخميني(قده)



1- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 66.
2- م.ن، ص 66.
3- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 66 - 67.
4- م.ن، ص 67.
5- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 67.
6- م.ن، ص 67.
7- الإربلي، كشف الغمّة، ج2، ص 308.
8- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 67.
9- م.ن، ص 71.
10- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 67.
11- م.ن، ص 67 - 68.
12- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 68.
13- م.ن، ص 86.
14- سورة الحجر، الآية 34.
15- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 86.
16- سورة الأعراف، الآية 12، سورة ص، الآية 76.
17- سورة الأعراف، الآية 12.
18- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 87.
19- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 87.
20- م.ن، ص 67.
21- م.ن، ص 68.
22- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 68.
23- م.ن، ص 68.
24- م.ن، ص 68.
25- م.ن، ص 68.
26- الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص 45.
27- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 71.
28- م.ن، ص 71 - 72.
29- الفيض الكاشاني، الوافي، ج11، ص 536.
30- سورة التكوير، الآية 24.
31- الفيض الكاشاني، الوافي، ج1، ص 103.
32- (اشارة إلى الشعر المعروف للعارف الرومي يقول فيه:
هفت شهر عشق را عطّار كَشت ماهنوز اندر خم يك كوجه ايم
يعنى أن عطّار النيشابوري (العارف المعروف) سار ودار في المدن السبعة التي هي مدن العشق وبلاده.
ولكنّا مع الاسف إلى الان لم نتجاوز منعطف زقاق واحد لتلك المدن).
33- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 69.
34- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 69.
35- م.ن، ص 69.

| 8804 قراءة

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد